بعد نشري للمراجعة السابقة عن رواية إيفيانا باسكال، راسلني الأخ طارق ليهديني هو أيضاً روايته -التي كنت أدفع قراءتها بعيداً عنّي لفترة طويلة- ليضعني أمام الأمر الواقع، الرواية الآن موجودة، الوقت موجود، لديّ رغبة بالقراءة، كل الظروف مثاليّة.
في الحقيقة، ما دفعني لأبعد هذه الرواية عن قائمة قراءتي، رغم فضولي حولها وحول أسلوب كاتبها، أنّها موصوفة بكونها “عن الكاتب”. لا أطيق قراءة هذا النوع من الروايات. ولكن، حاولت قراءة هذه الرواية فاصلاً المكتوب فيها عن نظرتي للكاتب، وسأحاول في حديثي هنا الرقص حول هذه النقطة قدر ما استطعت، لأنّها ببساطة لا تروق لي، وسأعود لأسباب هذا في نهاية المراجعة.
لكن مبدئيّاً، ضع في عين الاعتبار أنّ كل ما سأقوله عن بطل هذه الرواية وراويها، لا علاقة له بنظرتي لكاتبها وحديثي عن الراوي كلّه يقصد به من في الرواية. بنظري، طارق الكاتب وطارق الموجود في الرواية شخصان منفصلان. هذا هو السبيل الوحيد كي أكون قادراً على قراءة الرواية والكتابة عنها، رغم أنّ هذا خطأ حسب نظرة الكاتب، وهو خطأ برأيي عادةً، إلّا أنّه ضرورة.
رواية سياحة إجباريّة كما يصفها الكاتب في المقدّمة التعريفيّة القصيرة “تروي جزءً كبيرًا من قصة حياتي، فكل حوار وكل فقرة.. انعكاس لحدث حقيقي سواء أكنت صاحبه أم شخص أعرفه.” ولكن، إن كان عليّ وصفها خارج هذا الملخّص، فهي حكاية عشوائيّة تدور في فلك شخصيّةٍ رئيسيّةٍ يمكن اختزالها بكلمةٍ واحدة؛ كيريتو.
سنخوض في تعريف كيريتو لاحقاً لمن لا يعرفه، ولكن مبدئيّاً، أريد الحديث عن توظيف أحداث واقعيّة في كتابة رواية، وما رأيي بهذا التوجّه عموماً (وهذا مختلف عن إدراج الكاتب نفسه بين الشخصيّات).
الواقع غالباً مخيّب للآمال
في مسابقة صغيرة للقصة القصيرة، أرسل أحد المشتركين رواية تحكي قصّة فتىً تعرّض للكثير من المصاعب وعايش الكثير من الآلام، بداية من التنمّر بسبب الشكل، وانتهاءً بالوحدة والعزلة الاجتماعيّة، كانت الرواية تدور حول شخصيّة رئيسيّة غريبة جداً، وتقافزت الأحداث فيها من المسرح للآخر دون انتظام.
لم تعجبني تلك الرّواية إطلاقاً، كانت مشتتة، شخصيّاتها متفككة، أحداثها مضطربة لحدّ الضياع. كانت الضدّ التّام لمبدأ التهيئة والمكافأة – Setup and Payoff، وكانت الشخصيّات تعيش خارج فضاء الأحداث تماماً، وتتعامل مع المواقف دون تحضير ودون أساس.
قابلت كاتب الرواية لاحقاً في مكالمة على ديسكورد، وأعاد سردها كلاماً، مضيفاً في النهاية أنّها قصّة حياته. وكان جوابي بما معناه؛ الواقع غالباً مخيّب للآمال. حتّى عندما يكون الواقع قادراً على احتواء قصّة تكاد تكون أحداثها روائيّة بالكامل، كقصّة القرصان المحترم، نادراً ما تكون النهاية مناسبة لتوجّه الأحداث.
قصّته المحكيّة أثّرت بي. روايته لم تؤثّر، والسبب بسيط؛
الرواية بحاجة لتقلّب دراميّ، لتهيئة ومكافأة، لبناء شخصيّات. وحتّى في القصص الإبسوديّة، الحبكة وعناصرها ضرورية لإبقاء الأحداث متماسكة، وليرتبط القارئ بالشخصيّات، فالقارئ لا يمتلك سبيلاً لفهم ما يجري سوى ما يراه أمامه على الورق، ومهمّة الكاتب هو تقديم ما في هذا الورق بطريقة قادرة على خلق الصورة الصحيحة في رأس القارئ، لا أن يعتمد على أنّ ما يدور في رأسه سيدور أيضاً في رؤوس الآخرين.
الواقع في المقابل، لا يحتاج هذا؛ الواقع يسري كما يشاء. الواقع لا يهتم بتأسيس الشخصيّات وبنائها. الواقع لا يهتمّ بتعريفك على الظروف. الواقع لا يهتم بإنهاء القصّة على خاتمة مرضية. الواقع مخيّب للآمال.
هناك قصص محدودة جداً تسطيع تحويل الواقع إلى ما يمكن احتماله وقراءته. ومع الأسف، هذه ليست أحدها.
أولاً لأنّ جمع أحداث حصلت لأشخاص مختلفين في شخصيّة واحدة سيخلق كيريتو-فرانكنشتاين، وثانياً لأنّ الطريقة التي بنيت فيها الرواية هذه لا تساعد على “روي” هذه الأحداث الواقعيّة – مع كلّ التغييرات الخياليّة التي حصلت لها. ولنبدأ مع الثانية:
الرّاوي الكاذب
عندما يذكر كايكي في كلّ لحظة من ظهوره على الشاشة تقريباً أنّه كاذب، ويؤكّد هذا بأفعاله، تجاهلك لهذا التفصيل أو إدراكك له يكافئك في نهاية القصّة. في الحالة الأولى ستعود لك أحداث القصّة لتدرك أنّه فعلاً نوّهك بأفعاله وأقواله، وفي الحالة الثانية ستشعر بضخامة الدماغ داخل جمجمتك دون سبب فعليّ. كايكي يكذب، لديك طريقة لتكتشف كذبه -سواء عندما يكون هو الراوي أم غيره- ولديه سبب مقنع للكذب.
المهمّ هنا ثلاث نقاط: سبب الكذب وصياغته ونقاط المقارنة. وثلاثتها مفقودة في سياحة إجباريّة، التي توظّف بدورها راوياً كاذباً.
لأنّ الرواية تسرد كذبة ضمن الأخرى دون انضباط، الأولى أنّ الراوي يسرد قصّة صديقه (ويظهر أخيراً أنّها قصّته) وثانيها أنّ صديق الرّاوي يعيش حياة هزيلة وبسببها يروي القصّة الكاذبة (الثالثة) عن نجاحه وفقدانه المعنى في الحياة، وفي نهاية تلك القصّة يعود ليكشف كذبه مجدداً في تلك القصّة (الكاذبة أصلاً) ويظهر “وجهه الحقيقيّ” فيها.
بسبب هذا التراكب بين الكذبات، إن كان الهدف منها أساساً خلق راوٍ كاذب لا يمكن الاعتماد عليه، لا يمكن الفصل بين الحقيقة والنسبية والكذب بين هذه الأحداث. ولا يوجد طريقة -حتى بعد إنهاء الرواية- لمعرفة ما حصل فعلاً، ولا حتّى التخمين، فالراوي هو الراوي الوحيد، وهو الرّاوي الكاذب.
أمّا سبب الكذب، فهو يضيع عندما تدرك طبقات الكذب التي تضيع فيها الرواية، وغياب السبب وكشف حقيقة الكذب في النهاية دون سياق يجعلك تشكّ في كون وجود الراوي الكاذب هنا مقصوداً أم عرضياً. وفي كليهما مشكلة.
الصياغة وانعدام الإشارات طوال الرّواية يمنعان القارئ من ربط النقاط وحده، وفقدان الانضباط في توظيف المفهوم يفقد الهدف من الكذب قيمته الحقيقية.
هل الراوي يكذب لأنّه يرغب أن تكون حياته ما ليست عليه؟ هل يكذب لأنّه يريد تحقيق حلمه بكتابة رواية؟ هل يكذب لأنّه يريد الكذب فحسب؟ لا أحد يدري، وهذا ما يعدم وجود المكافئة عند اكتشافك أو جهلك لوجود الراوي الكاذب في الرواية.
وحتّى لو افترضنا وجود كلّ هذا، ولو افترضنا أيضاً أنّ الرواية بأكملها لا ترغب بتقديم راوٍ كاذب أصلاً، ولو افترضنا أنّ كل فهمي لهذه البنية كان خطأً. الشخصيّات المقدّمة، ليست فقط عاجزة عن حمل الأحداث، بل هي عاجزة أيضاً عن أن تكون.
كيريتو-فرانكنشتاين
كيريتو هو الشخصيّة الرئيسيّة في أنمي سورد آرت أونلاين، وهو برأيي “حالةٌ” مثاليّة لنمط عامّ من الشخصيّات؛ كيريتو هو المواطن المثاليّ، الرجل الصالح، الفتى الجيّد، الإنسان الكامل، المنتقم الغاضب، جاذب النساء. وبنفس الوقت، هو الرقعة الفارغة التي يمكن للقارئ والكاتب أن يرى فيها ما يشاء.
كيريتو يضرب التوازن المثالي بين كونه الشخصيّة القادرة على فعل “ما يجب” دوماً، وكونه الشخصيّة التي يمكن إزالتها من القصّة واستبدالها بشخصيّة أخرى دون تأثير – ما يعني أنّ القارئ قادر على تخيّل نفسه مكان هذه الشخصيّة دون جهد يذكر.
والآن، ربما يعترض قرّاء هذه الرواية أنّ أحداثها فعلاً تبرّر وجود هذا النوع من الشخصيّات في القصّة، فهي -في النهاية- كذبةٌ ضمن كذبة، ولكن هذا لا يعني شيئاً إن لم يكن استغلاله واضحاً على الأحداث والشخصيّات – أي على المكتوب في الرواية.
ما يحصل عندما تجمع في شخصيّة واحدةٍ أفعال أشخاص كثر في الواقع، هو أنّ هذه الشخصيّة تفقد عامل الاستمراريّة الذي يمكّن القارئ من فهم أفعالها وما يدور في رأسها؛ ولهذا تجد من يقوم بهذا من كتّاب القصص يحوّر الشخصيّة قدر المستطاع لتكون متماسكة.
بيث هارمون شخصيّة جمع فيها كتّاب كوينز غامبت قصص عدّة لاعبي شطرنج مشاهير، وكان الخيار المنطقيّ أثناء دمج هذه الشخصيّات هو محاولة نقل الأفكار فحسب، لا لاعبي الشطرنج وقصص حياتهم ومبارياتهم كاملة إلى القصّة.
بيث تلعب وتقابل اللاعبين كما فعل الرجال في القصص الأصليّة، ولكنّها تفعل ذلك على أساس كونها بيث هارمون، الفتاة المدمنة للمخدرات، ولو كانت هي الأخرى تعيش حالة مرضيّة مخففة من الكيريتو ودرع الحبكة وقوّة الصداقة، تبقى على الأقلّ قابلة للتوقع، تمتلك صفات مميزة، ويمكن للمشاهد فهم ما تقوم به.
بطل سياحة إجباريّة يفعل هذا دون مراعاة الشخصيّة نفسها – وليس بطريقة تجعل هذا تلميحاً لكون الراوي يكذب، بل بطريقة تجعل القفز بين الأحداث عشوائيّاً بقدر قفز البطل بين شخصيّاته المتعددة التي لا يجمع بينها سوى اسمه.
وبالحديث عن التعريف بالشخصيّات، لا أدري إن كان من الممكن التمييز بين شخصيّات هذه الرواية دون معرفة أسمائها، خصوصاً الإناث، فهي كلّها مصنّفة في صنفين؛ صنف يحبّ البطل والآخر لا يحبّه – وتتخرّج الطالبة الوحيدة من الصنف الأوّل في النهاية لتصبح رئيسة مجلس الصنف الثاني.
للصدفة مجدداً، طواف الإناث حول البطل، كلامه المتحذلق والكوول، العمق المصطنع، كلّها صفات كيريتو الأصليّ.
العشوائيّة في القفز بين الأحداث والشخصيّات الفارغة والمتشابهة ليست دليلاً على الكذب، ولا يمكن التحجج بها لتكون كذلك. انعدام الاتفاق بين الاحداث قادر على أن يدلّ على هذا الكذب، وهنا لا انعدام اتفاق بين الاحداث، لأنّها لا ترتبط ببعضها سوى بخيط رفيع أصلاً.
الصفحات الفارغة
يصدف فتاة في المقهى لتحضر اختها، وفي عالم آخر تماماً يصدف فتاة أخرى في مقهى آخر لتحضر صديقتها، ثم يصدف أنّ أخت الفتاة الأولى صديقة للفتاة الثانية، دون مقدمات هكذا، ويصدف أنّ حديثه مع كلّ منهنّ يظهر أسلوباً مختلفاً رغم تشابه الظروف (تشابهها حتّى تفصيل إخراج الرواية من الحقيبة)، فهو -البطل- “عميق وهادئ وكتاب مغلق” في مرّات، و”منفتح ومتحدّث ويشارك رأيه بعنف” في مرّات أخرى، كلّه بحسب ما تطلبه منه الأحداث، لا بحسب ما تم التعريف به – هذا إن اعتبرنا أن التعريف الموجود كافٍ لخلق شخصيّةٍ ذات ملامح واضحة في الذهن.
وبين الحدث الأوّل والثاني عدد غير معروف من السنوات وعدد غير معروف من الكيلومترات، وبين الحدث الثاني والثالث تقلّبات في الشخصيّة لا يمكن فهمها ولا إسنادها سوى “لأنّ الأحداث تتطلب ذلك”. هذا التقلّب والصفحات الفارغة التي تفصل بين أجنابه يجعل قراءة هذه الرواية أبعد عن قراءة الروايات، وأقرب إلى قراءة الخواطر ومقالات الرأي الملصقة فوق أحداث عشوائيّة.
لا أجد في الخواطر وطرح الأفكار على لسان الشخصيّات ضيراً، خصوصاً في الأعمال التي تعتمد على الدراما بين هذه الشخصيّات، ولكن ما أجده صعب الهضم هو اعتمادها في بناء مشتت كهذا، لا يمكنك الحفاظ على الكعكة وأكلها كما يقول الإنجليز؛ كي يُحتمل هذا الطرح الفكريّ، على الرواية أن تكون مترابطة – ليكون هناك سياق لهذا أولاً، وليكون هذا جزءاً من القصة لا قطعة ملصقة فوقها.
الصفحات البيضاء التي تفصل بين فقرات الرواية، بدأت كأداة تنسيق في بداية الرواية، ثم انتقلت لتصبح نذير شؤم قرب وسطها لأنّ ما يليها إمّا حدث مختلف أو كلام غير مرتبط بما سبقه، وآلت في النهاية لتكون لحظات “استراحة” من تقلّبات القصّة العنيفة.
وربما يكون سبب استخدامها مختلف تماماً – فتنسيق هذه الرواية، أو على الأقلّ النسخة التي وصلتني، غير مستقرّ كأحداثها.
ما الذي بقي إذاً؟
لم أرِد إن أكتب مراجعة سلبيّة للرواية -حقاً- ولا أريد أن يكون هذا ما أقوم به طوال الوقت، خصوصاً عند الحديث عن أعمال لأشخاص أرغب باستمرارهم، وأعتبر نفسي في نفس الزاوية معهم. بعد قراءتي لإيفيانا باسكال ومراجعتي لها أردت حقاً أن تكون هذه المراجعة إيجابيّة، ولكن لا يسعني الكذب على نفسي ولا على كاتبها. الرواية افتقدت كلّ ما يمكن أن يجعلها قابلة للاحتمال.
أثناء قراءتي فصلت الكاتب عن الأحداث تماماً، وعزلت اعتراضي على هذا محاولاً بجدّ الاستمتاع، ولكن صدمت بالمشكلة تلو الأخرى؛ تشتت الأحداث، خواء الشخصيات، دراميّة الحوارات الزائدة، الصياغة اللغوية المائلة للإنجليزيّة المترجمة، التنسيق المضطرب، كلّ شيء أردت العثور عليه ولم أجده، وكل شيء تمنّيت ألّا أجده ووجدته.
الصدف الكثيرة، تمحور الأحداث حول شخصيّة واحدة، ضياع أساسيات بناء الحبكة.
ضحكت كثيراً أثناء قراءة هذه الرواية للأسباب الخطأ، ولكن بعد الانتهاء منها لم أستطع متابعة الضحك. كان يجب عليّ كتابة هذه المراجعة، وكان عليها أن تكون سلبيّة، ولم يكن لدي “خير” أقوله، والصمت لن يغيّر شيئاً.
أتمنّى فقط أن لا يكون كلامي هذا مثبّطاً. وأتمنّى أنّي وفّقت بما فهمته من الرواية وبشرح ما لم يعجبني من ذاك. والآن أنتقل للنقطة الأخيرة، بعود على بدء؛
لماذا لا أطيق الإدراج الذاتيّ – Self-insertion في الروايات
باختصار، لا يروق لي شخصياً أن أحكم على “كلّ” الكاتب من عملٍ واحد، ولا يروق لي محاولة فهم “حقيقة” الكاتب من خلال عمله. لا يروق لي الإدّعاء بمعرفة الكاتب شخصيّاً -مهما كان الأمر مغرياً- عبر قراءة رواياته، وهذا مختلف عن إزالة دور الكاتب من العمل إطلاقاً؛ ففهم القليل من السياق حوله يساعد في فهم ظروف كتابة الرواية، ولكن عندما تكون الرواية تتضمن إدراجاً ذاتيّاً للكاتب، خصوصاً عندما تتمحور بأكملها حول هذا الإدراج، يصعب كبح هذا الإغراء.
لا أريد لشخص عشوائيّ على الإنترنت أن يأتي ليحكم على شخصيّتي من خلال مقال واحد يمرّ عليه في مدوّنتي، ولا أريد أنا، كشخص عشوائيّ على الإنترنت، أن أحكم على شخص من خلال عمل واحد.
في الفيديو أعلاه، يحكي ليدهيد الكثير مما يجول في خاطري حول هذا، وقد وضع في كلامه كثيراً مما عجزت لفترة طويلة عن صياغته، لذا لاختصار التكرار، أنصح بمشاهدة كلامه حول هذا.
عندما أقرأ أن رواية ما تحمل بين طيّاتها “جزءاً” من حياة الكاتب أفكّر مليّاً قبل بدءها، وعندما تكون كاملة “عن الكاتب” وفي حالة هذه الرواية، شخصيّتها الرئيسية تحمل اسم الكاتب حتّى، أبتعد مباشرة عنها.
حاولت قدر المستطاع تجنّب الخوض فيما يمثّله البطل في هذه الرواية، لأنّي أرى في هذا تعدّياً على الحدود التي فرضتها لنفسي، لن أدّعي قدرتي على تحليل شخصيّة الكاتب وفهم ما يحاول قوله عبر هذه الرواية وعبر تضمين ذاته في أسطرها، ليس لأنّ هذا المستوى من التحليل سيء بالمطلق أو شرير بالمطلق أو غير مبرر بالمطلق؛ بل ببساطة لأنّي لا أرى زجّ نفسي في هذه المتاهات مفيداً أصلاً – الأنفع هو الحديث عمّا عشته في الرواية، لا عن كاتبها.