في الفترة السابقة قررت العودة لقراءة الروايات من جديد، لم أكن متأكداً تماماً من قدرتي على إنهاء رواية كاملة بعد انقطاع طويل دام لأشهر، ولم أكن أرغب بشراء رواية دون خطة فعلية لقراءتها. ولكن بعد أشهر من محاولة العثور على نمط حياة شبه مستقر استطعت توفير وقت اسبوعي لقراءة الروايات، وبدأت بشراء رواية The Time Machine للكاتب هيربيرت جورج ويلز، استلمت الرواية وأنهيتها في نفس اليوم، ولم يكن هذا إنجازاً كونها لم تكن طويلة جداً – مئة صفحة تقريباً.
علاقتي بأدب السفر عبر الزمن
قبل أن أبدأ حديثي عن الرواية والفيلم، عليّ الحديث قليلاً عن علاقتي بأدب السفر عبر الزمن؛ علاقة استمرت لسنوات طويلة ربما منذ سنوات طفولتي الأولى. بدايتي لم تكن مع “أدب” السفر عبر الزمن، بل بشكل أدق مع الميديا المتعلقة بذاك بشكل عام؛ من الأفلام والمسلسلات وحتى العروض الكارتونية. الأفلام الوثائقية والقصص القصيرة التي استطعات أن تطالها يدي… أعتقد أنني شاهدت وقرأت الكثير من المحتوى المتعلق بهذا الموضوع طوال فترة حياتي لدرجة لم أعد أذكر أين بدأت بهذه العادة.
في هذه الأيام لا أستطيع تذكّر كافة المحتويات التي قرأتها عن هذا الموضوع؛ أفضل ما يمكنني فعله هو تذكر العناوين التي استطاعت التأثير فيّ، يمكنني ذكر The Butterfly Effect وThe Time Machine عند الحديث عن الأفلام، يمكنني أيضاً ذكر Steins;Gate عند الحديث عن الأنمي… أتذكر بعض الروايات القصيرة التي قرأتها من سلسلة روايات الخيال العلميّ لطالب عمران والتي تضمنت بعض الحديث عن السفر عبر الزمن، ولكنني لا أذكر تماماً أيها كان يركز على هذه الفكرة.
أردت في هذه الفترة قراءة روايات انجليزية – بعيداً عن المحتوى الذي قرأته سلفاً، ولم أكن متشجعاً تماماً للبداية بقصة لا أعرف ما فيها كوني لم أقرأ منذ زمن طويل نسبياً… تذكرت فيلم آلة الزمن الذي شاهدته قبل سنوات، ومن ثم عزمت القرار على شراء الرواية التي اقتبس منها الفيلم، لأنني أعلم أن القصة ستعجبني. ربما يبدو الأمر غريبا -شراء قصة تعرفها سلفاً- ولكن الرواية والفيلم لا يشتركان سوى بالفكرة الرئيسية ولا تشابه ضخم بين أحداثهما.
بأي حال، كانت الرواية تجربة جيدة ولم أشعر بخيبة الأمل أثناء قراءتها أو حتى بعد إنهائها… الأمر فقط أنني لم أجد الرواية في هذه الحال أفضل من الفيلم، بل على العكس تماماً.
ما الفكرة الرئيسية من الرواية/الفيلم؟
قبل أن أخوض في التفاصيل التي ستتطلب منّي حرق أحداث الرواية والفيلم لتوضيح وجهة نظري، ربما من الأفضل ترك نظرة شاملة عن الرواية والفيلم لمن يرغب بالتوقف هنا والذهاب لقراءة الرواية أو مشاهدة الفيلم. بأي حال، أنصح بقراءة الرواية قبل مشاهدة الفيلم لتستمتع بالرواية لأقصى حد، ومن ثم الاستمتاع بالفيلم لأقصى حد. أيضاً لا أنصحك برفع آمالك من الناحية البصرية الموجودة في الفيلم.
الفكرة في الرواية والفيلم تدور حول آلة الزمن… بديهيّ جداً برأيي… المختلف هنا أن آلة الزمن هذه تعالج مشكلة ضخمة يعاني منها المسافر عبر الزمن، وهي احتمالية ملاقاته لنفسه في الماضي أو المستقبل؛ الآلة تقوم بنقل وعي الشخص عبر الزمان لفترات سابقة مما يعني أنه سيحلّ مكان نفسه في الماضي لو كان موجوداً، أو سيذهب بوعيه وجسده لو لم يكن موجوداً. من المعتاد في أدب السفر عبر الزمن محاولة تغطية المعضلات المشابهة عبر “آلة عجيبة” او “قدرة خارقة” لذا لا يمكن اعتبار الفكرة التي جائت بها الرواية فكرة مستحدثة – ربما كانت في وقتها ولكن ليس في هذا العصر. (عليّ العودة والبحث في أمر الرواية للتأكذ من هذا)
تسافر الشخصية الرئيسية باستخدام هذه الآلة للمستقبل وتوصف لنا من وجهة نظرها ما رأته في المستقبل البعيد للبشرية وكيف تطورت على مدى العصور؛ هذا يعني أنك ستسمع الكثير من الكلام عن المستقبل -الذي نعيش جزءاً منه- على لسان شخصية من القرن التاسع عشر أو الثامن عشر… ربما تجد الكثير من التفاصيل الموجودة في الرواية أو الفيلم بديهية بالنسبة لك، ولكن عليك ابقاء فكرة أن الكاتب كان يعيش في فترة مختلفة حاضرة لفهم ما يتحدث عنه.
هناك بعض المشاكل المتعلقة بفكرة السفر عبر الزمن -كما في أي قصة آخر من هذا النوع- مثل فكرة “ثبات المكان وتغير الزمن” التي حاولت الشخصية الرئيسية بناء بعض أجزاء فلسفة السفر عبر الزمن عليها، والتي لا يمكن أن تكون صحيحة لأن “المكان” الذي يتحدث عنه كان نسبياً بالنسبة للأرض، ولو كان المكان ثابتاً بالمطلق لكان سفره عبر الزمن تضمن خروجه للفضاء، ولكن لأسباب قصصية يمكن تجاهل هذه الحقيقة.
ككل، الرواية والفيلم كلاهما ممتعين، فيهما بعض الأفكار الجميلة إضافة لفكرة السفر عبر الزمن، ولكل منهما طريقته الخاصة بالنظر للمستقبل والأحداث فيه، حتى لو كانت الفكرة الرئيسية مشتركة أنصحك بقراءتهما والتعامل معهما كعملين مختلفين تماماً، وهذا هو السبب:
بم اختلفت الرواية عن الفيلم؟
لا يمكنني الاشارة لكافة نقاط الاختلاف، لأن الأمر سيتطلب مني الكثير من الوقت والعودة مجدداً للفيلم والرواية وتحديد كل نقاط الحبكة التي اختلفت بين العملين -وهي كثيرة جداً- ولكن يمكنني بالتاكيد تحديد النقاط المحورية المختلفة بين العملين، والأسباب التي جعلتني أفضل الأحداث في الفيلم أكثر من الرواية.
الشخصية الرئيسية
في الفيلم، بدت الشخصية الرئيسية أكثر شبهاً بالشخصيات العبقرية الغريبة المكررة في أغلب الأفلام الأخرى، ربما قد يبدو هذا الأمر أسوأ للولهة الأولى ولكنه سيكون أكثر ملائمة للأحداث الأخرى التي تغيرت في الفيلم أيضاً، التغيير البسيط في الشخصية التي نقلها من كونها تلك الشخصية ذات الثقة العالية بالنفس في الرواية إلى الشخصية الأكثر غرابة وانعزالاً اجتماعياً في الفيلم كان تغييراً إيجابياً لأن الدافع قد تغير بين القصتين.
الدافع للسفر عبر الزمن
في الرواية، لا تمتلك الشخصية الرئيسية دافعاً للسفر عبر الزمن سوى إثبات النظرية واشباع الفضول، وكانت الثقة الزائدة بالنفس والفخر المضمّن في الكثير من الحوارات والأحداث مساعدين لإظهار هذا منبع هذا الدافع، الشخصية الرئيسية في الرواية لن تتوانى في قتل “بشريّ” لو كان يهدد حياتها بالخطر، بينما الشخصية في الفيلم كانت مدفوعة من البداية للسفر عبر الزمن بهدف إنقاذ شخص من الموت. الشخصية المتوترة والقلقة اجتماعياً كانت أكثر ملائمة للدافع في الفيلم، وكان الدافع أيضاً بدوره مبرراً لها.
لكل من الشخصيتين والدافعين سحره الخاص، ولا أفضل أياً منهما على الآخر.
إلى أين؟
في الفيلم، سافر الشخصية الرئيسية في المرة الأولى لمحاولة الحيلولة دون وفاة زوجته، ويدرك أن سفره عبر الزمن هذا لن يغير قدراً محتوماً، ليقرر بعدها السفر في إلى المستقبل البعيد. بينما في الرواية الرحلة الأولى كانت للمستقبل البعيد، وكل أحداث الرواية جرت فيها. وبينما قدم الفيلم ثلاث رحلات عبر الزمن، الأولى للماضي، الثانية للمستقبل، والثالثة للمستقبل البعيد -والرحلة الأخيرة بالطبع. لم تقدم الرواية سوى رحلة واحدة للمستقبل -إضافة لرحلة قصيرة نحو المستقبل البعيد جداً جداً والرحلة الأخيرة التي ختمت فيها الرواية.
أثناء قراءتي للرواية كنت أنتظر اللحظة التي سيفسر فيها الكاتب معضلات السفر للماضي وكيف ستتعامل آلة الزمن معها، ولكنّه تجنّب السفر للماضي بالكامل وركّز على المستقبل الذي يقدم معضلات ذات حلّ أسهل بكثير، الفيلم في الكفّة الأخرى واجه المعضلات بشجاعة وقدم تفسيراً لها بكون ماحصل في الماضي قدر محتوم.
النسخ المتعددة من المستقبل التي أظهرها الفيلم كانت تفسّر الأحداث التي جرت في المستقبل البعيد بشكل أفضل، بينما أحداث الرواية كانت تثقل المستقبل البعيد جداً بتفسيرات عاشها الحاضر في تلك الفترة… الفيلم اعتمد قصة القمر المدمر لظهور سلالتي البشر المختلفتين، بينما اعتمدت الرواية النظرية الطبقية -التي كانت أكثر منطقية في عصر الكاتب- لتفسير انفصال البشر لفصيلتين مختلفتين تماماً.
المستقبل المذكور
في الرواية، كل ما نعرفه بشكل قاطع عن المستقبل هو ما يمكن للشخصية الرئيسية أن تراه، بينما كانت بقية الأحداث مجرد تخمينات من الشخصية الرئيسية وإسقاطات مباشرة من الكاتب على الأحداث، بينما في الفيلم استطعنا بشكل مباشر رؤية ما وصلت له الحضارة البشرية قبل النتيجة النهائية واتسطاع الفيلم أن يربط بين هذه التفسيرات والأحداث الرئيسية بالفيلم بطريقة مبدعة.
في الفيلم، مرّت الشخصية الرئيسية بزمنين انتقاليين تعرف في الأول على حاسوب هولوغرافي سيلعب دوراً كبيراً في إنقاذه من المستقبل البعيد الموحش، وفي الزمن الثاني تعرّف على سبب انفصال البشر لسلالتين مختلفتين، حيث بقي بعض البشر -الأقل حظاً- فوق الأرض، وانتقل الأكثر حظاً للعيش تحت الأرض والنجاة من القمر المتساقط. أيضاً نرى نفس القمر المفتت في الانتقال الثاني والانتقال النهائي.
في الرواية لا يمكننا رؤية أي من هذا؛ ولكن يمكننا رؤية نظرة الكاتب التشاؤمية عن المستقبل والذي يمكن أن يحصل إن استمرت الفجوة بين الفئة العاملة والفئة الإقطاعية بالتضخم… كان يتنبأ في الرواية على لسان الشخصية الرئيسية بأن الفجوة ستزداد لدرجة هائلة تجعل من كل فئة جنساً مختلفاً تماماً، وكلا الجنسين سيكونان غير بشريين على الإطلاق.
لكل من النظرتين في المستقبل سحرها الخاص، وبينما أفضل النظرة التي قدمها الفيلم لكونها أقرب لواقعنا الذي نعيشه -باحتمال احتلال القمر وتفجير قنبلة نووية في المكان الخطأ- إلا انني لا يمكنني انكار أن فكرة الصراع الطبقيّ كانت سيئة على الإطلاق، بالأخص في زمن الكتابة.
شعب المستقبل
قدمت الرواية رؤية “بيضاء وسوداء” عن شعب المستقبل، فبالغ الكاتب في إظهار لطافة الناس الذين يعيشون على سطح الأرض، بينما بالغ في إظهار وحشية أولئك الذين يعيشون تحتها، ليس في الشكل فحسب بل بكل شيء آخر من التصرفات وحتى طريقة التعامل… المبالغة هذه جعلت هذين الشعبين -الذين من المفترض أنهما سلالتين من البشر- يبدوان أكثر بعداً عن البشرية، وهذا ما يذكره الشخصية الرئيسية في الرواية أصلاً.
بينما في الفيلم كان تمثيل الشعبين أقرب للبشر في كثير من النواحي، سواء من الشكل أو في التصرفات… اللغة في الفيلم كانت أكثر منطقية من تلك التي أظهرتها الرواية، وتصرفات شعب السطح كانت أكثر شبها بتصرفات الإنسان… بينما كانت وحشية شعب الجوف أقرب لوحشية الإنسان الحاليّ. وفضّلت شخصياً النظرة التي قدمها الفيلم من هذه الناحية، لان الرواية عجزت عن كسب تعاطفي تجاه تلك الكائنات التي لا يمكن اعتبارها بشرية -ولا يتم اعتبارها بشرية ضمن الرواية وأفقدتني الكثير من الاهتمام الذي استطاع الفيلم أن يقدمه لي تجاه هذين الشعبين.
اللغة بذاتها وأسلوب التعامل مع فكرة اللغة والتواصل مع الآخر كانت من النقاط الحاسمة بالنسبة لي، على الرغم من كونها فكرة ثانوية جداً في القصة… الفيلم تعامل مع الفكرة بطريقة منطقية جداً، ولم يجعل شعب السطح جاهلاً بالكامل او متخلفاً بالكامل، بل أظهر ان البشر سيحتفظون بحب التعلم حتى بعد ملايين السنين. بينما في الرواية لم يظهر أي تلميح لكون شعب السطح قد احتفظ بهذه الصفة، على العكس تماماً كانت الرواية تؤكد على جهلهم وضعف قدراتهم العقلية في كل مناسبة.
النهاية
النهاية في الرواية كانت سوداوية جداً مقارنة بالنهاية السعيدة في الفيلم، وفضلتها شخصياً على نهاية الفيلم لأنها كانت أكثر ملائمة للأحداث… الفيلم كان شجاعاً في مواجهة المعضلات العلمية ولكنّه كان جباناً من الإنهاء بحدث مجهد عاطفياً، فبدلاً من النهاية المفتوحة التي حصلت عليها الرواية بعد القصة الطويلة المرعبة، قام الفيلم بإنهاء القصة على الحياة السعيدة للشخصية الرئيسية في المستقبل، في “منزله” الجديد، بدلاً من “ربما أكله أحد تلك المخلوقات الغريبة” التي انتهت عليها الرواية.
لازلت أفضل النهايات الواقعية، ولكن بالنظر مجدداً للأحداث يمكنني القول أن النهاية السعيدة في الفيلم كانت مبررة لأن الشخصية ظهرت في معاناة منذ البداية وكانت تبحث عن الخلاص، بينما في الرواية كانت الشخصية الرئيسية تبحث عن المجد وإثبات الذات في الرحلتين، والنهاية السوداوية كانت أكثر ملائمة لقصة مشرقة بمجملها -وإن لم تكن في العمق كذلك.