1984، الكتاب الأكثر تأثيراً على الإطلاق

كثيراً ما تجرّني الحماسة في خضمّ النقاش برفقة الأصدقاء فأقول “إنه فرض علينا أن نعلّمها لأبنائنا في المدارس وشبابنا في الجامعات” لكن هيهات، إن 1984 كتاب مستفز، يستفز عالم يعج بالاستبداد. كتاب عدواني، لا تنجو من سهامه سلطة سياسية، ولهذا هو كتاب مُحارب مبغوض. 

كان للرواية وقع الصاعقة في المجتمع الثقافي العالمي حين نشرت عام تسعة وأربعين، كما أن أورويل احتل المرتبة الثانية في قائمة أعظم الكتاب البريطانيين حسب مجلة التايمز.

لأصدقكم القول، لمّا انتهيت من قراءة الرواية انتابني الرعب. إن الكتاب قد قدم صورة كابوسية لمصير الإنسان، إنسانٌ قد خسر إنسانيته في عالم مظلم. منها عرفت أن جوهر الإنسان هو الحرية، وحين تضيع حرية الفرد تحت سطوة الاستبداد فأنه يخسر كل معنى من وجوده.

وحين صحوت، أخذت أطمئن نفسي بهذه الكلمات ” إنها مجرد رواية، وإن عالم 1984 موجود بين دفتي كتاب ليس إلا، إنه عالم من الخيال السياسي”. لكن كلا فقلبي لم يطمئن، تملكني اليأس، وذلك لعمق الشواهد التي هربت من 1984 لأراها في عالمنا. أتنفس الصعداء تارة لأني لست بطل الرواية عاثر الحظ، وتارة أخرى أتخوف من المصير الذي قد يصيره الإنسان، هو المصير الرهيب لصديقنا بطل الرواية. 

تخيّل أورويل عالماً دوستوبياً تدور أحداثه في إمبراطورية أوقيانوسيا، حيث ترزخ تحت وطأة نظام شمولي بقيادة الحزب الواحد. عالم مهدورة فيه حرية الإنسان ومنتهكة كرامته، بل إن أفكارك وخواطرك عرضة للمراقبة من قبل ذلك الرمز “الأخ الأكبر” حيث أن صورته تطالعك على كل جدار بعبارة:

الأخ الأكبر يراقبك

أما عن بطل الرواية فهو وينستون سميث، موظف في الحزب الخارجي ويعمل في وزارة الحقيقة، والتي مهمتها تزييف الحقيقة وتزوير التاريخ، ليكافح ونستون جاهداً لتذكير نفسه:

إنه عالم زائف، علي أن أحتفظ بالحقيقة ولو لنفسي فقط

يقع ونستون بحب فتاة تدعى جوليا، ليدخل معها في علاقة عاطفية بشكل خارج عن القانون، ففي عالم 1984 يمنع الحبّ، إلا حبّ الأخ الأكبر.

مسيرة أورويل وظروف نشأة 1984 

لاستعراض الرواية بشكل صحيح لا بدّ لي من استعراض مسيرة الكاتب. إريك بلير، أو باسمه القلميّ جورج أورويل. ولد في الهند ودرس في بريطانيا. ثلاثة أحداث مؤثرة صاغت الكاتب وشكلته. 

أولاً عمله كضابط للشرطة في بورما، وهنا تعرف للمرة الأولى إلى الإنسان المهدور تحت نير الإمبريالية السياسية أيام الإستعمار. وربما يقف القارئ متفكراً، جورج أورويل ذلك الكاتب الديمقراطي الاشتراكي ضابط شرطة!؟ إنه نقيض صورته! وفعلاً هي الحقيقة، هي خمس سنوات ليس إلا ليستقيل أورويل ويتفرّغ للكتابة. 

أما عن الحدث الثاني فهو مشاركته في الحرب الإسبانية بجانب اليسار الاشتراكي ضد فاشية فرانسيسكو فرانكو. خسر أورويل الحرب وهُزم الديمقراطيين، لكن التجربة قد تركت عميق الأثر في نفسه ليكتب رواية “الحنين إلى كاتالونيا في هذا الصدد. 

أما الحدث الحاسم والأخير كان المنحى الجنوني الذي أخذ يظهر في القرن العشرين، حيث تصاعد نجم الشمولية التوتاليتارية، من نازية وستالينية وفاشية، وتحالف كلّ من هتلر وستالين وموسوليني في بداية الحرب العالمية الثانية. كانت هذه الصورة السوداء تؤرق جورج أورويل، وهي الدافع الرئيس لكتابته  1984.

صار هدف أورويل منذ عام 1936 أن يجعل السياسية وقضاياها فناً أدبياً، ومن رواياته ذائعة الصيت في هذا الصدد مزرعة الحيوان التي تناولت ظاهرة الستالينية السياسية في الاتحاد السوفيتي. 

ترجمت أعمال الكاتب لأكثر من 65 لغة، كُتب آخرها من سبعين عاماً وهي الرواية محل حديثنا 1984. لم يعش أورويل ليرى نجاح روايته وتأثيرها وانتشارها، فقد مات مصدوراً بالسل ومجهداً بالكتابة بعد عام واحد من نشرها في 1950. 

أورويل، لماذا أنت خائف؟ 

نحن نعلم أن لا أحد يستحوذ على السُّلطة مع نية التخلي عنها، السلطة ليست وسيلة بل غاية.

كانت سمات التشابه شديدة الوضوح بين ستالين والأخ الأكبر في الكتاب، بل تقسيمات الحزبين الواحدين بين الرواية والاتحاد السوفيتي فيها الكثير من التشابه. ما الذي دفع أورويل ليسقط واقعه السياسي في عالم من الديستوبيا؟ كما ذكرت آنفاً فإن أورويل قد عاصر الأحداث السياسية للقرن العشرين، فيه كان ظهور الدولة التوتاليتارية وهي السلطة الشمولية الكلية التي لا تسعى للهيمنة على الحياة العامة فقط، بل تمدّ سلطتها على الحياة الشخصية للأفراد. 

لماذا كان أورويل قلقاً؟ فالاستبداد ليس جديداً على الإنسانية! لكن مهلاً، عرف أورويل أنها شمولية جديدة لم يعرفها التاريخ فإنها قد سخرت مختلف أنواع المعرفة والعلوم والتكنولوجيا للهيمنة على الحياة العامة والخاصة، بل باحتكارها للمعرفة ووسائل التنشئة الاجتماعية كانت تخلق أفراداً مؤدلجين وتصوغهم حسب أفكارها، وهذا ما لم يكن في الاستبداد التقليدي الذي عرفناه في التاريخ. 

إذن إن الفردية منتهكة في شمولية القرن العشرين، يصهر الأفراد في بوتقة الأيديولوجيا ليعاد قولبتهم من جديد، هذا ما كان تحت مجهر أورويل في النموذج الستاليني والنازي. 

فطن أورويل لهذا التحول، هو تزاوج السلطة مع المعرفة، لتصير السلطة والمعرفة واحداً. وكما تم  تقديمه في 1984 حيث أن وسائل التنشئة حكر على السلطة، ما من أخبار أو معلومات أو مناهج دراسية أو إعلام إلا من طرف السلطة، فقد صارت هي والمعرفة ثنائية لا تنفصل. 

هنا كانت معادلة أورويل الشهيرة 2+2=5. نعم إن أقرت السلطة بصحة هذه العملية الحسابية فإن الفرد سيقرها كذلك، إنك تعيش في مجتمع كامل يردد “خمسة خمسة” لترى نفسك تتجاهل وعيك الخاص وتسلّم بها، فلا مكان للفردية في الشمولية التوتاليتارية. 

هل هو إغراق الأفراد في البروباغاندا والأكاذيب الموجهة للسيطرة على العقول، كما في “أسبوع الكراهية” في الكتاب؟ كلا للأسف، هذا الآفات يعانيها العالم الحر، أما الشمولية فلا تقتصر على ذلك. 

عاصر أورويل كلٌ من الكي جي بي في روسيا والشتازي في ألمانيا، وبهما قد تمثل الاستخدام المباشر للقوة بهدف إخضاع المجتمع وإرهاب أفراده. ربما المجزرة التي فتكت بمثقفي الإتحاد السوفيتي في عهد ستالين خير مثال لذلك. 

أما في الرواية كان لدينا وزارة الحب، وما هي إلا أجهزة المخابرات وأقبية الزنازين، كانت ترفض مجرد تصفية الفرد بل تسعى لانتهاك أفكاره وإيمانه، لا يكفي إعدام القاصية من القطيع، بل قبل ذلك علينا جعله يؤمن إيماناً حقيقياً بالأخ الأكبر. وهنا يكون مصير الإنسانية الرهيب وإذلالها بأبشع الصور وإنزال أشد العذاب بها، هذا ما استوحاه أورويل من واقعه السياسي. 

إننا لا نحطم الضّال الذي خرج علينا عندما يقاومنا؛ بل إننا لا نقدم أبدًا على تدميره طالما أنه يقاومنا، وإنما نسعى لأن نغيره، ونقبض على عقله الباطن فنصوغه في قالب جديد. إننا نبدد فكره ونجعله واحدًا منا.

شواهد 1984 في عالمنا الحاضر 

إنها مجرد ثرثرات كاتب، خيالات سياسية ليس إلا، انظروا! لا مكان لهذه الديستوبيا في عالم اليوم، بل إنها غير قابلة للتحقق. هذه ما قد يقوله قائل. وفعلاً، قد تفكك الاتحاد السوفيتي، هزمت النازية ثم هدم جدار برلين. لكنني أرى أن لا سلطة سياسية قد تسلم من رسائل الرواية وإسقاطاتها، من ضمنها أنظمة ما يطلق عليه اليوم بالعالم الحر.

فاليوم نشاهد الشمولية مزدهرة في عدة بقاع، أبرزها كلٌ من كوريا الشمالية والصين، يتشابهون بالسياسات ويستوردونها من بعضهم البعض. شرطة للفكر تلاحق المغضوب عليهم وكاميرات الرصد، تتحفّز لظهور أدنى إشارة تنذر بالعصيان، على قمة الهرم قائد واحد وحزب واحد، هيمنة على التكنولوجيا والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ونظم التعليم، صناعة الثقافة والوعي بما يصب بصالح الآيديولوجيا المتبناة. 

أما عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج ليس بمنأى عن سهام أورويل، تطالعك صورة الأخ الأكبر في كل شارع، ومعظم الدول لا تزال متعثرة في طريق الحداثة. بلن إننا لا نعرف إلى اليوم ديمقراطية واحدة، لا نعرف إلى اليوم دولة الرفاه. 

كذلك العالم الحرّ حسب النموذج الغربي، فلا تنفك الصيحات كل حين تشكو من موجات البروباغاندا والكذب الممنهج على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. بل إن الحملات الانتخابية مثال ملفت، حيث أنه يندر مناقشة المشاكل بموضوعية دون استشارة عواطف الجماهير ومخاوفهم. 

“هو عدونا، إنها الشيوعية” وحين تهزم الشيوعية هم بحاجة لعدو جديد “هو الإرهاب إذن” وهلم جرا. إنها ذاتها ما وضحه أورويل في كتابه، كانت أوقيانوسيا في حرب دائمة مع عدو متغير. لنكتشف أن هوية العدو لا تهم، إنما ما يهم هو وجوده ووجوده فقط. مع وجوده يسهل حشد الجماهير تحت لواء السلطة واستثارة غضبهم.

فليغضبوا على ما نريده نحن، لا على ما يريدونه هم.

التأثير الذي تركه أورويل 

لا شك أن كتاب 1984 من أكثر الكتب تأثيراً في حاضرنا، لمس ضمائرنا وتأبطه المستضعفين دستوراً ينير ظلمة عالمهم. بيعت منه ملايين النسخ، ما من مكتبة تخلو منه ومعظم القرّاء قد طالعوه أو اطلعوا عليه، ويظلّ مادة دسمة لا تنضب للنقاش والمراجعة على طاولات المثقفين. 

وكما كانت السلطة الشمولية تخترع المصطلحات الرنانة للسيطرة على عقول الجماهير، كان أورويل يخترع مصطلحاته الخاصة لينير ظلمة الجماهير ويكسر قيود تفكيرهم كـ “شرطة الفكر، الأخ الأكبر، الغرفة 101، التفكير المزدوج، دقيقتا الكراهية، شاشة الرصد” كذلك مصطلح “الأورويلية” الذي لا بد أن سمعته على شاشات الأخبار أو قرأته في الصحف.

وكما أسقط أورويل واقع القرن العشرين في رواية، أخذ الناس يسقطون واقع الرواية على عالمهم مقارنة وتمحيص، يستخدمون إشاراتها همساً وبصوت خفيض خوفاً من شرطة الفكر، وآخرون يرفعونها جهراً في وقفاتهم الاحتجاجية، على لافتاتهم الحمراء وجه كبير بعيون محدّقة وشاربين غريبين مع عبارة “الأخ الكبير يراقبك” فقد صارت الرواية دون شك من رموز حاضرنا السياسي في رحلة كفاح الإنسان، كفاحه في سبيل حريته. 

ردات الفعل

كان الصخب سيد الموقف حين تم نشر الرواية، وفي فترة وجيزة اكتسحت المكتبات. دار حديث لا يفتر في أروقة المثقفين، في وقت كانت فيه الشيوعية الروسية محل جدل دائم. اقتصر الاتحاد السوفيتي على تجاهل الرواية في بادئ الأمر، وذلك ببساطة لأن لا ترجمة لها أو وجود في المكتبات. 

لكن أخذت الطبعات السرية تنتشر، وأخذت تضجّ في شوارع المجتمع الثقافي، إلى أن سمح الاتحاد السوفيتي بقراءتها لكن بموافقة أمنية! وهنا كان الاتحاد السوفيتي ينشر مراجعاته للرواية في جريدة الحزب الرسمية ويحتكر تأويلها على هواه كقوله “إن الأخ الأكبر هو رونالد ريغان!” هو احتكار المعرفة كما وضحه أورويل في الكتاب، يسمح لك بالاطلاع على تأويلها في جريدة الحزب، أما محاولة قرائتها فهو ممنوع تحت طائلة السجن. 

في الولايات المتحدة الأمريكية ما بعد الحرب، كانت الرواية محظورة لأسباب مختلفة، ذلك لأن ونستون كان يمارس الحب مع جوليا قبل الزواج. وقد لاقت الرواية والكاتب هجوماً لاذعاً من طرف المحافظين بشكل عام وسموا الكتاب بالرواية النجسة، لهذا لم يكن مستغرباً لما حظرتها الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية كذلك. 

كذلك في مصر وفي حادثة شهيرة، اعتقل طالب جامعي لاقتنائه الرواية، ثم صودرت منه رغم أنها تباع المكتبات. 

ليس لدي قائمة بالدول التي تحظر هذا الكتاب الذي عمره قرن من الزمن، إلا أن كثيراً من الدول وإن رخصت طباعته ونشره إلا أنها حذرة في التعامل معه ومع معجبيه. 

الأورويلية، ظهور المصطلح وتغيير اللغة! 

تنبّه أورويل للدور الذي تلعبه اللغة في تشكيل الأفكار والآراء بنظرته النافذة، فقدم في الرواية أساليباً كان تستخدمها السلطة للهيمنة على العقول. منها استخدام الألفاظ التفخيمية في خطاب السلطة لتكسي عليها العظمة كالأخ الأكبر، واستخدام الألفاظ التلطيفية للوسائل التي تقهر الفرد. 

فتلك وزارة الحب وما هي إلا أقبية المخابرات، وهذه وزارة السلم وما هي إلا الجيش والقوات المسلحة. أما معسكرات الأعمال الشاقة فتسمى معسكرات المرح. كذلك استخدام الألفاظ ومناقضتها “الحرب هي السلام الحريّة هي العبوديّة الجهل هو القوّة” لتعطل معناها الأصلي ولتخلق كما سنعرف “التفكير المزدوج.” 

إنّ سبب وجودك هنا (المعتقل) يكمن في رغبتنا في مداواة علّتك، لنجعلك سليم العقل.. إننا لا نكترث للجرائم الحمقاء التي اقترفتها. فالحزب لا يهمّه ما تأتيه من أفعالٍ مكشوفة، إنما يهمّه أكثر ما يدور في رأسك من أفكار. نحن لا نحطم أعداءنا فحسب. وإنما نغير ما في أنفسهم.

تتمادى الشمولية في عالم 1984 لتخترع لغة جديدة، تحذف فيها أي كلمات لا تناسب سياسية الحزب الواحد، وتلغى فيها المصطلحات التي تحفز التفكير النقدي. بذلك تكون الرقابة حتى على أفكار الفرد المكتومة بما سماه الكاتب “التفكير المزدوج” كأن ترفض إيمانك بأن 2+2=4 وتسلم برأي البيئة والسلطة واللغة والمجتمع بأن 2+2=5 وإن كنت مصراً على رأيك فأن “شرطة الفكر” لك بالمرصاد، ما إن تصدر نأمة في منامك تدل على استقلال عقلك، ستودع بعهدة “وزارة الحب” 

أثرى أورويل معجم العالم فعلاً باختراعه مصطلحات تعبر عن علاقة الشمولية بالفرد المسلوب، ليأتي مصطلح الأورويلية ويصير شائعاً في العالم السياسي والإعلامي. الأورويلية، هي تلك العملية التي تتلاعب بها السلطة باللغة للتأثير على الجماهير. 

الرسالة

إلى المستقبل ‏أو الماضي، إلى الزمن الذي يكون الفكر فيه حراً طليقاً، ‏إلى زمن يختلف فيه الأشخاص عن بعضهم البعض، ولا يعيش كل منهم في عزلة عن الآخر، إلى زمنٍ تظل الحقيقة فيه قائمة ولا يمكن فيه لأحد أن يمحو ما ينتجه الآخرون.. وإليكم، من هذا العصر الذي يعيش فيه الناس متشابهين، متناسخين، لا يختلف الواحد منهم عن الآخر، من عصر العزلة.. تحياتي!

أفهم تماماً الأحداث التاريخية التي جعلت من أورويل يائساً في 1984، أفهم تماماً لماذا اختار ذلك المصير المفجع لبطل روايتنا، أستطيع تخيله مريضاً يحتضر، يسعل الدم أثناء الكتابة. كان نجم القوميات والوطنية في تصاعد، وكان ستالين وهتلر وموسوليني رموزاًَ في ذلك العهد بل وحتى إلى يومنا هذا. 

كان ازدراء الفرد ورغباته وسحق حرياته أمام شعار “مصالح الأمة” لكن ما يهم هو عبارة “ماذا لو حدث هذا فعلاً ؟” هذا ما يريد أورويل قوله، وهذا ما تعرفنا عليه في الكتاب. هي ليست نبوءة بالضرورة أن تتحقق – رغم الشبه الذي يعيشه عالمنا مع عالم الرواية – إنما هي صرخة محتضر قد كتب كتابه محذراً ثم مات، أن لا تعبدوا أخاً أكبراً وتنصبوه آلهة. أن حافظوا على الإنسان الذي بداخلكم، تمسكوا بالحرية وعضّوا عليها  حتى تتشقق أكفكم وتتساقط أسنانكم. 

فالكاتب شديد الصدق مع ذاته ومع القارئ، هو اشتراكي ديمقراطي سخر حياته لمحاربة الاشتراكية المستبدة. وليقول أخيراً أن الإنسان “وحيداً” في مواجهة عالم 1984 يبقى ضعيفاً قابلاً للكسر، وأن رغم إيمانه المتقد مصيره الخسران. أما أنتم يا ملايين القراء فتشكلون حصناََ، ومعكم ونستون لن يبقى لوحده بعد الآن. 

تمّام عبد المنعم

تمّام عبد المنعم

قارئ يشرب الحبر ويلتهم الورق.

المقالات: 4

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *